کد مطلب:18147 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:169

اسلوب ابعاد الوصیة عن العهد النبوی
رغم اُسلوب التكتم الذی اتبعه أصحاب هذا الاتجاه، فقد ترشحت بعض الأخبار و الأشعار المصرحة بالوصیة، فتصدّوا لها بالانكار، وشادوا إنكارهم علی أساس كون الوصیة أمراً محدثاً و مفهوماً طارئاً لا ینتمی الی زمان النبوة، ولا یمت بصلة الی الفكر الإسلامی، و ذلك من خلال ادّعاءین باطلین:

الادعاء الأوّل: أن الوصیة من إبدعات عبداللّه بن سبأ.

و أقدم من نقل هذا الادعاء علی ما وجدنا هو الطبری فی تاریخه، و قد رواه عن السری؛ عن شعیب، عن سیف بن عمر، عن عطیة، عن یزید الفقعسی، و ذكر فیه أنّ ابن سبأ كان یهودیاً من أهل صنعاء، فأسلم أیام عثمان، ثم تنقل فی حواضر الإسلام یحاول إضلالهم، فبثّ عقیدة الرجعة و الوصیة، و كان من جملة أقواله فی الوصیة: إنه كان ألف نبی، و لكلّ نبی وصی، و كان علی وصی محمّد، ومحمّد خاتم الأنبیاء، و علی خاتم الأوصیاء،.. الخ. [1] .

و جاء بعد الطبری أقوام و كأنهم وجدوا فی هذه الروایة خیر وسیلةٍ لتبریر عمل أهل السقیفة و أقوی ذریعة للتنصّل عمّا أراده اللّه و حكم به و أعلن عنه رسوله و أوصی به...!!! منهم: ابن كثیر، و ابن الأثیر، و ابن خلدون، والمقریزی [2] .



[ صفحه 127]



و كثیر من المتأخرین [3] ، الذین ربطوا بین الفكر الإمامی الأصیل والمزاعم الیهودیة، و زادوا علی من تقدّم أنّ الوصیة من صنع الیهود، ومنهم انتقلت الی المسلمین!! و غیر ذلك من الترهّات بل السخافات التی روّجتها النفوس المریضة و حاولت بشتّی الطرق الملتویة صرف الناس عن مبدأ الوصیة وجدیّتها.

و خلاصة القول فی هذا الهراء:

1ـ إن روایة الطبری التی یستند إلیها المروّجون لهذا الادعاء لا قیمة لها من الناحیة العلمیة؛ لأنها موضوعة لا أصل لها، و تخالف الواقع التاریخی و مسلّمات التاریخ، فضلاً عن أنّ الطبری قد تفرّد بنقلها.

و قد رواها الطبری عن السری، و هو إما السری بن إسماعیل، وهو كذّاب متروك لیس بشیء، أو السری بن عاصم، و هو كذاب وضّاع یسرق الحدیث [4] ، ورواها السری عن شعیب بن إبراهیم، و هو



[ صفحه 128]



مجهول [5] ، و رواها شعیب عن سیف بن عمر، و هو ضعیف، لیس بشیء، متروك الحدیث، متهم بالزندقة، عامة أحادیثه منكرة لا یتابع علیها، وضّاع، و ساقط الروایة [6] ، ورواها سیف عن عطیة، عن یزید الفقعسی، وكلاهما مجهولان.

تری فهل رأیت حیاتك كلّها مثل هذا الاسناد المضحك، بل التحفة فی التفاهة؟!

2ـ إن هذه الروایة هی من مبتدعات المتزلفین الی سلاطین بنی اُمیة، دسّوها فی التاریخ لخدمة أغراض السیاسة الامویة فی تشیید السقیفة و مواجهة فكر أهل البیت علیهم السلام الأصیل.

قال د. طه حسین: إن خصوم الشیعة أیام الأُمویین و العباسیین قد بالغوا فی أمر عبد اللّه بن سبأ هذا، لیشكّكوا فی بعض ما نسب من ألاحداث الی عثمان و ولاته من ناحیة، و لیشنّعوا علی علی و شیعته من ناحیة اُخری، فیردّوا بعض أُمور الشیعة الی یهودی أسلم كیداً للمسلمین، و ما أكثر ما شنّع خصوم الشیعة علی الشیعة! [7]

و ذكر فی موضع آخر أن ابن سبأ قد اختُرع بأَخَرةَ حین كان الجدال بین الشیعة و غیرهم من الفرق الإسلامیة، فأراد خصوم الشیعة أن یدخلوا فی اُصول هذا المذهب عنصراً یهودیاً إمعاناً فی الكید لهم والنیل منهم.



[ صفحه 129]



ثم استنتج من خلال عدّة أدلة أن ابن سبأ مجرد و هم لا حقیقة له، و أنه شخص أدخره خصوم الشیعة للشیعة، و لا وجود له فی الخارج [8] ، و قد تابعه غیر واحد من المستشرقین والباحثین [9] ممن شككوا فی شخصیة ابن سبأ، و اعتبروا قصته خرافة لا وجود لها فی التاریخ الإسلامی، ولا یصلح علی إثباتها دلیل علمی قاطع، و قد أفرد السید مرتضی العسكری دراسة موسعة خاصة بهذا الموضوع تحت عنوان (عبداللّه بن سبأ و أساطیر اُخری) انتهی فیها الی القول بأسطورة هذه الشخصیة و اختلاقها!

3ـ إن إنكار وجود ابن سبأ و إن كان غیر صحیح كما تریی، الا أن الدور الذی أعطی له دور خیالی، فی حین أنه من رؤوس الغلاة الذین ادعوا ألاأُ لوهیة لعلی علیه السلام، وادعی هو النبوة لنفسه، وقد استتابه أمیر المؤمنین علیه السلام فلم یتب، فقتله و أصحابه حرقاً بالنار، و قد لعنه أهل البیت علیهم السلام و شیعتهم [10] ، و قد ذكر بعض المؤرخین ما یؤید هذا أیضاً [11] .


[1] تاريخ الطبري 4: 340 ـ حوادث سنة 35 هـ.

[2] البداية و النهاية 7: 167، الكامل في التاريخ 3: 46، تاريخ ابن خلدون 3: 215 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1408 هـ، الخطط / المقريزي 2: 352 ـ دار صادر ـ بيروت.

[3] منهم: د. حسن إبراهيم حسن في (تاريخ الإسلام السياسي: 347 ـ مكتبة النهضة المصرية ـ 1964 م)، و (تاريخ الدولة الفاطمية: 22 و 25)، ود سليمان العودة في) عبد الله بن سأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الاسرم: 232)، ود. عبدالعزيز محمد نور ولي في (أثر التشيع علي الروايات التاريخية: 19 ـ دار الخضيري ـ المدينة ـ 1417 هـ)، و علي مصطفي الغرابي في (تاريخ الفرق الإسلامية: 17 ـ القاهرة ـ 1378 هـ)، و محمّد أبو زهرة في (تاريخ المذاهب الإسلامية: 46 ـ دار الفكر العربي ـ 1976 م)، الشيخ محمّد الخضري في (تاريخ الدولة الأموية: 359 ـ دار القلم ـ بيروت ـ 1406 هـ)، و محمّد رشيد رضا في (السنة و الشيعة: في عدة صفحات) و محمّد فريد و جدي في (دائرة معارف القرن العشرين 5: 18 ـ 19 ـ دار الفكر ـ بيروت) ود. مصطفي حلمي في (نظام الخلافة بين أهل السنة و الشيعة: 157 ـ دار الدعوة ـ ط 1ـ 1408هـ) وغيرهم كثير.

[4] ميزان الاعتدال 2: 117، لسان الميزان / ابن حجر 3: 12 ـ مؤسسة الأعلميـ بيروت ـ 1406 هـ.

[5] ميزان الاعتدال 2: 275، السان الميزان 3: 145.

[6] ميزان الاعتدال 2: 256، تهذيب التهذيب 4: 259 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ 1404 هـ.

[7] الفتنة الكبري / طه حسين: 134.

[8] عليّ وبنوه: المجموعة الكاملة / طه حسين 4: 518 ـ 519.

[9] راجع: نظرية الإمامة لدي الشيعة الاثني عشرية / د. أحمد محمود صبحي: 37 ـ دار المعارف ـ مصر.

[10] لا حظ: رجال الكشي: 106 / 170 ـ 174 ـ كلية الإلهيات ـ جامعة مشهد.

[11] راجع: البدء و التاريخ / المقدسي 5: 125/ المعارف / ابن قتيبة: 622، الفصل في الملل و النحل / ابن حزم 4: 186 ـ مكتبة المثني ـ بغداد.